(( الأرض و النار و المطر ))

قالت الأرض :-

أيها الملك ما أشقاك
إن ظننت انه ليس هناك احد مثلك

ترفعت فوق العز عزا
وبنيت صرحا فوق عرش الهوى
ورفعت فوقه عرشك

ما أنت إلا أديم هذه الأرض
وقريبا سيحفر فيها قبرك

جعلت الحب تاجا
والعشق جوهرة تزينه
وتوجت به رأسك

عشت حياة الملوك
وأخضعت الهوى ذليلا تحت رجلك

اتخذت لك قصرا
أحطه بأشواك وأسوار رفضك

كم من عذارى حاولن أن يلامسن حبك
أو يسمعن نبض قلبك

فكان الرفض نصيبهم
أو الموت عند أسوار قصرك

ما تراك أنت ياهذا؟
أنت مني وإلي سيصير أمرك

هم لا يعرفوا بأنك مجرد بائس
الحب قد أفنى عمرك

وأنك مجرد كبرياء
تغذيها ببعض ما بقى من مجدك

وأنك لم تعد ذاك الذي كان جبارا
حين يتعلق الأمر بقلبك

هل اخبرهم عنك يا صاحب السعادة؟
أم تراهم قد عرفوا أمرك

هل اخبرهم بأنك يوما صرت طفلا
تبكي جفاء حبك

هل اخبرهم بأنك كنت تناجي
طيفها في الليل وحدك

هل اخبرهم بالأمس ماذا فعلت؟
كنت تقبل وتضم وسادة كانت تحت رأسك

عذرا إن كشفت سرك

إني أنتظر ردك

قالت النار :-

تعال أيها الملك الجبار
تعال إلي فأنا من ألهبتك وأحرقتك
بأسم الحب وسلبت منك الاختيار

أنا من جعلتك تكتوي بناري
صبحا وعشيا وفي الأسحار

أنا من وسمت مابين حاجبيك
علامة الذل والانكسار

أنا من جعلتك تتلوى ألما
إن هي فارقتك أو أعلنت الأدبار

بأسمي صرخت يوما حين قلت لها
فراقك نار ما عدت أقوى الانتظار

أنا النار التي صرت في دستور الهوى
رمزا للفراق والألم والاحتضار

قد أكلت منك الكثير
حين جعلت حبيبتك منك حطبا للنار

أنت عندي ورقة من أوراق الزمن
ليس لك قيمة دينار

أحرقك بأسم الحب
ليس لك عندي أي اعتبار

وكثيرا ما ترجيتني أن اكف عنك
أو رفعت كفك تدعوا بالثلج والأمطار

أ هكذا الملك الذي يتبجح بملكه حاله قد صار

مسكين أنت أصبحت جمرة من بعد أن كنت ملكا
إن مشيت على الأرض تئن من بطشك الأحجار

أنه الحب الذي أورثك العذاب
ونزع عنك تاجك باسم الأقدار

قال المطر :-

مطر مطر مطر
أنا المطر من روى أرضك
حين أجدبت أرضك سنين

أنا من انبت الزهر في قلبك
بالورود والياسمين

أنا من أجرى روافد الحب فيك
وشق أودية وسهول العاشقين

أنا من أطفأ نيران الجوى
واخمد في صدرك البراكين

أنا الذي ناديته يائسا
حين ألما بك فراق الحب المبين

فأمطرت عليك نفسي
وغسلتك بماء معين

أنا المطر من جعلتني رمزا لها
فأنا حبك الذي لا يستكين

اترك الأرض والنار
فهما يرونك من المستضعفين

أنا المطر أنثاك التي أحببت
كم روتك من رحيق الشفتين

فأدمنت رحيق المباسم عندها
فصمت عن ماء الأرض سنين

لا تبتئس ياسيدي فالحب ليس خطأك
أنه قدر كتب على الجبين

مطر مطر مطر

أنا سأمطرك من مائي
وسأطفئ عنك عذاب السنين

فلا تخشى الحب يوما
أو تمر عليك هواجس اليائسين

اسأل صدرك كم انتشى من صدرها
فأبى أن يكون من المفارقين

قس هذا على ذاك وانظر
هل تراك ستكون من العادلين

إن لحظات العناق
ورشف حلو المذاق
وسكون العين في الأحداق
تنسيك كل آلم الحب والفراق

وقال (( الملك )) :-

كفى كفى كفى

ما عاد الكلام ينفع
ولا اللوم والعتاب يشفع

إن كان الحب جريمتي فليشهد التاريخ
بأني اخطر المجرمين وأبشع

والقلب إن سولت له النفس أن يحب غيرها
فأنه من بين ضلوع صدري سيخلع

والعين إن رأت أنثى غيرها
فهي من محاجرها ستقلع

ماذا جنيت من الحب سوى
سهدا
وعذابا
وغيرة
لا تهدأ ولا تشبع

لكني عن هواها أيها السادة لن أتوب
وإن مـُزقت أوردتي أو شراييني تـُقطع

أني للمطر مستمعا

وأنتما أيتها الأرض و النار
عذرا
فحديثكم غير مـُقـنع

الأرض والنار معا ً :-

مجنون لا فائدة ترتجى منه
فالملك حين يكون مغرما
تصبح الحياة كلها مغرمة

أتركوه .. من أشقاه ربي
كيف أنتم تسعدوه

((الملك))