الخميس , أبريل 25 2024

(( الغريــق ))

 

 

 

 

اكتظت السفينة بمئات المسافرين

ودوى بوق السفينة معلنة انطلاق الرحلة

 

هرج ومرج في القاعة الرسمية 

التي خصصت لأصحاب الطبقة الأرستقراطية

 

وموسيقى ورقص ولهو وسفور

وحياة تنم عن أصحابها كبرياء وغرور

 

كانت بينهم امرأة يقال عنها سرابيل 

تخطف الأبصار من جمالها 

تبدو عليها ملامح الترف والغنى الفاحش

 

يحيط بها الرجال كلا يطلب ودها وقربها

 و هي تختال بينهم 

وكأنها ملكة والباقي عبيدها

 

 

و هناك عل سطح السفينة 

حيث البرد والمطر والفقر

 

كان هناك بشر يحسبون على طبقة الفقراء 

ممن هم لا يملكون أموالا طائلة

 ليدفعوا تذاكر سفر

 ليكون لهم مكان في القاعة الملكية

لذا تم حملهم على أن يكون

 مكانهم سطح السفينة

 

وبين هؤلاء شاب 

تبدو عليه ملامح التعاسة والشقاء

 

قرر الهجرة عن وطنه

 بعدما أصبح يتيما لا أهل له فعلاما البقاء

 

جمع في حياته الماضية خمسمائة فرنك 

من خلال عمله في بيع بعض الخردوات في بلده

 

اشترى يبعضها تذكرة الرحيل

وابقي لديه القليل

 

انقضى اليوم الأول على الرحلة 

وفي الصباح استيقظ الجميع 

ودب على سطح السفينة حياة الفقراء

 فمنهم من اخرج من صرة طعام ليأكله

 وبقى البقية يأكلهم الجوع 

حيث انه لا وجبه لهم 

بينما ينعم الأغنياء بأصناف الطعام والشراب

أنه أبشع أنواع العنصرية 

تحل على هؤلاء الفقراء

 

وكان هذا الشاب من الذين 

لا يملكون طعام سوى قربة ماء

 

استيقظت سرابيل من نومها 

وتناولت فطورها وارتدت ملابسها وحليها

 وقررت أن تخرج على ظهر السفينة

 لمشاهدة جمال البحر وتشم الهواء النقي

 عوضا عن أدخنة التبغ 

التي تملئ المقصورة الملكية

 

 

أصابها القرف مما رأت من حال الفقراء

 ترمق الجميع بنظرات عالية وازدراء

 

وبينما هي تمشي على سطح السفينة 

بمعية وصيفتها الحسناء

 

إذ يسقط من يديها أساور من ذهب 

دون أن تشعر 

عند أقدام هذا الشاب التعس

  الذي حمله ومضى خلفها ركضا ليعطيه لها

 

قائلا :- سيدتي .. سيدتي

 

تتوقف سرابيل وتلتفت أليه

 ولسان حالها تساؤل :-

 ماذا هناك؟

 

قال لها :- 

سيدتي لقد سقط هذا منك

تفضلي هذا هو

 

ترفع ذراعها لتكتشف أن عقدها مفقود

 

قالت له :- أين وجدته ؟

 

أجابها :- 

لقد سقط منك وأنت تمرين بجانبي

 

قالت :- كيف سقط؟ وهو معقود بأحكام في يدي؟

 لقد سرقته مني

 

تفاجئ من قولها :-

لا لا يا سيدتي لقد سقط من يديك اقسم

 

نهرته بغضب قائلة :- 

أنت تكذب

 

واستنجدت بحراس السفينة

 الذي القوا القبض عليه بتهمة السرقة

 

سرابيل تعرف أنه لم يسرقه 

لأنه أن كان فعل فلن يتبعها ليعطيه لها

 

ولكن هو الظلم والعنجهية 

والرغبة في الاستبداد والاستعباد

 

 

حبسوه في غرفة قذرة في قعر السفينة

 على أن يسلم لاحقا لشرطة المدينة

 

لم ينفعه توسله وصراخه 

بأنه بريء ليلقى في السجن ظلما

يا له من مسكين

 

وفي سجنه الصغير 

مضى يتذكر جمال سرابيل وحسنها 

فسقط في عشقها رغم كل ما حدث له بسببها

 

لأول مرة يشعر بالحب

 فكان الإحساس مشوبا بالخوف والقلق 

ومع هذا عاش ليلته الأولى في السجن

 و هو مغرم بسرابيل

 وتمنى أن يكون غنيا مثلها 

وأنه ولد في قصور الأغنياء 

سيكون سهلا عليه أن يحظى بقربها حيينها

 

 

أسدل الليل ظلامه على امتداد البحر الكبير 

وبدأت ليلة أخرى 

من حياة الترف والهناء لطبقة النبلاء 

والجوع والخوف في حياة الفقراء

 

 

وذاك الشاب في سجنه ينعم بحبه اليتيم

 و يطحنه الظلم والسجن والبلاء

 

أي تناقض هذا الذي يعيشه ؟ 

وكيف بلذة الحب أن تحتويه

 لسرابيل التي تسببت لهذا بالشقاء؟

 

 

وعند منتصف الليل هبت عاصفة هوجاء 

 

رياح ورعد وبرق وأمطار

وثارت أمواج البحار

وبدأت السفينة تتقاذفها الأمواج بقسوة

 منذرة ببداية الغرق

 

دوى بوق السفينة وأجراسه بقوة 

معلنة هذه المرة حالة الطوارئ 

و بدأ الصراخ والعويل 

على سطح السفينة بين الفقراء

 

لم يهتم أحدا لهم فكان طاقم السفينة

 يساعدون الأغنياء لبلوغ قوارب النجاة

 

ليضرب برق سارية السفينة ويحرقها 

و يسقط على مقصورة القيادة 

ليهلك القبطان ومساعديه

 

وتبقى السفينة بدون طاقم ولا قبطان

 وكل من عليها يحاول النجاة بنفسه

 

تكسر جزء كبير من السفينة 

وكان من حسن حظ الشاب السجين 

أن ينكسر الباب المغلق عليه

 ليخرج سريعا قبل أن يمتلئ قعر السفينة بالمياه

 

وعلى سطح السفينة جلبه وصراع 

فالكل يحاول الصعود لقوارب النجاة

 التي لم تكن كافية لحمل الجميع

 

كانت سرابيل تحاول بلوغ احد قوارب النجاة 

الذي اكتظ بالمسافرين الأغنياء 

ولكن احد منهم لم يعرها أي اهتمام بل ودفعوها بعيدا

 

حاولت أن تغري قارب أخر بالأموال

 والمجوهرات التي تلبسها 

دون جدوى 

فأصبحت تبكي وتتوسل

 

 

نزلت كل القوارب للبحر

 تاركة سرابيل وحدها 

على سطح السفينة و هي تغرق

 

وفجأة ظهر لها الشاب الذي اتهمته بالسرقة

 فارتمت على صدره تطلب المساعدة والنجاة

 

ما أجمل دفئ صدرها في هذا البرد والموت

 

قال لها :- 

لا تخافي أعدك بأن ستنجين

 

كانت القوارب تبتعد عن السفينة 

بسرعة مخافة أن تجرفها دوامتها و هي تغرق

 

 

ثمة قارب هناك قريب من السفينة

 يكتظ به بعض الفقراء الذي نجوا من الغرق

 بينما اغلبهم قد هلك

 

نادى احد الرجال من على القارب

 في سرابيل والشاب قائلا :-

 

لدينا مكان لواحد فقط واحد فقط

فالقارب لن يحتمل شخصين

 

تبسم الشاب فرحا وقال لسرابيل:-

 أتعرفين كيف تسبحين ؟

 

قالت له : لا .. لا اعرف ؟

 

حملها بيديه واقترب من حد السفينة 

و هو ينظر أليها و يبتسم وقال لها :-

 حب الحياة سيعلمك هذا 

 

 

وألقى بها في البحر قريبا من قارب النجاة

 ليتلقفها الرجال الفقراء و ينقذوها من الغرق

 

 

وفي ظلمة الليل وأمواجه ورياحه 

بدت لها السفينة تحت ضوء كل برق يشعل السماء

وهي تغرق و يلتهمها البحر

 

ومعها ذاك الشاب الفقير

 الذي ظلمته حيا ودفع حياته لأجل أن تعيش

 

لم ينفعها جمالها ولا رهطها 

ولا الرجال الذين كانوا يطلبون ودها

 

فكلهم اختاروا الحياة على أن يموتوا لأجلها

 

ففي الحياة نساء كثيرة

 وجمال قد يفوق جمالها

 

وحده فقط ذاك الشاب الغريق 

من رأى فيها كل نساء الدنيا 

فقرر أن لا يرى أنثى بعدها

 

 

(( الملك ))