الجمعة , أبريل 19 2024

(( تايـتــنــك ))

 

تايتنك .. رحلة اللاعــودة 

 

 

 

 

اجتمع المسافرون على الرصيف البحري

 

متشوقون للإبحار على ظهر سفينة

 

قيل لهم بأنها لا تغرق

 

وبأنها آمن السفن على الإطلاق

 

 

من بين ركاب السفينة

 

أميرة يقال عنها (سرابيل)

 

وهي ابنة أحد الأرستقراطيين

 

 

وكانت برفـقـة زوجها الذي لا تحبه

 

بل كانت مجبرة على الزواج به

 

لتضارب مصالح الأغنياء

 

فهو أيضا من طبقة الأثرياء

 

 

وفي قائمة المغادرين شاب من المُعدمين

 

تدارك ركوب السفينة بأخر لحظة

 

قبل أن تنطلق بدقيقتين

 

حتما الفقراء أمثاله مكانه أسفل السافلين

 

 

 

 

 

 

 

دوت صفارة السفينة معلنة انطلاقها

 

لتشق عباب المحيط بجبروت صنعها

 

وغياب إحساس المشككين

 

 

فالكل كان مطمئنا

 

يسبقهم الإحساس بوصولهم سالمين

 

 

 

تجرأ الشاب المعدم

 

وانطلق نحو الطبقة العليا

 

حيث سطحها مرتع الأغنياء من الراكبين

 

 

واتخذ مكان آمن واخرج قلمه ودفتره

 

كاتب يسطر أروع حروف الشعر

 

والإحساس المرهف الحزين

 

 

ومضى يخط أول حروفه

 

قبل أن تشد انتباهه تلك الأنثى

 

التي تقف عند حاجز حديدي

 

تتأمل المحيط العظيم

 

 

أواااااه ما أجملها من أنثى

 

تمنى أن تكون فقيرة مثله

 

ليتمكن من محادثتها ولو بكلمتين

 

 

قبل أن تلتفت إليه فجأة

 

وكأنها أدركت بماذا يفكر هذا المسكين

 

 

فا تدارك الأمر و ألتفت إلى دفتره

 

الذي كاد أن يسقط من اليدين

 

 

دقائق مضت قبل أن يلتفت إليها

 

فإذا هي لا احد !

 

أكان من المتخيلين ؟

 

 

 

 

 

بسط الليل جناحه

 

والظلام أرخى سدوله

 

على سفينة المسافرين

 

 

افترش الشاب سطح السفينة

 

متأملا النجوم في السماء

 

 

وعند منتصف الليل في المساء

 

سمع صوت أقدام تهرول

 

نحو مؤخرة السفينة وبكاء

 

 

فأعتدل جالسا

 

ليرى فتاة تتسلق الحاجز الحديدي

 

فأدرك بأنها تريد أن تلقي نفسها بالماء

 

 

فتبعها راكضا ليجدها على وشك فعلتها النكراء

 

 

قال لها :- ماذا ستفعلين ؟

 

 

أجابته :- وما شأنك أنت ؟

 

 

لا تقترب أكثر

 

فأنا لن يردعني احد عن انتحاري

 

 

قال لها وهو ينزع قميصه البالي :-

 

سألقي بنفسي خلفك إن فعلتي

 

مجبرا أنا ليس باختياري

 

 

باستغراب قالت له :-

 

لن تفعل

 

فلا تملك الدافع لإنقاذي

 

لست أخي أو حبيبي أو احد أقربائي

 

 

 

وهو يفك رباط حذائه قال لها :-

 

جربي

 

وسترين كيف سنموت معا غرقا

 

أو بردا يقطع أوصالك و أوصالي

 

 

 

 

 

 

وبعد حديث طويل

 

أقنعها بجمال الحياة

 

وبأن ما ترتكبه حماقة

 

ليس بالأمر الجميل

 

 

مد يده إليها

 

وإليه مدت يداها

 

اقترب منها قليلا ومسك رسغها

 

وسحبها نحوه فسقطت عليه بصدرها

 

فتدلت قلادة زرقاء من نحرها

 

كالقلب شكلها و المحيط لونها

 

 

قبل أن يطوق بهم رجال الأمن و زوجها

 

فيتهمونه بالتحرش بها

 

خصوصا مع تلك الوضعية التي كانوا عليها

 

 

قبل أن تـتـدارك هي الأمر

 

وتشرح ما عليه ولها

 

لتقول بأنها كادت أن تسقط

 

لو لا أن هذا الشاب أنقذها

 

يستحق مكافأة على ما قدمه لها

 

 

فدفع له زوجها مائة فرانك

 

جزاء ما فعله لأجلها

 

 

دون أن تخبره سرابيل

 

بأن هذا الرجل زوجها

 

 

 

 

 

ثم أنهم دعوة للعشاء

 

كإحسان الأغنياء بالفقراء

 

 

فوجدها فرصة

 

للتقرب من سرابيل الحسناء

 

 

التي ألهبت خياله عشقا

 

ونثرت بذور الحب

 

في حقول قلبه الجدباء

 

 

 

وحين دخل القاعة الكبيرة الحمراء

 

المخصصة لكبار الأغنياء

 

 

ورأى ما رأى من ثراء فاحش

 

ورجالا سُكارى ونساء

 

 

قال في نفسه أي عالم هذا الذي انه فيه ؟؟

 

يا لسخرية القضاء

 

 

رمقوه بعيون الاحتقار

 

فهذا الجنس البشري مكانه ليس هنا

 

من سمح له بدخول القاعة الحمراء

 

 

قبل أن يدرك الجميع

 

بأنه حل ضيف ثقيلا

 

على عائلة السيد

 

الذي أنقذ زوجته في المساء

 

 

 

 

أجلسوه على طاولة بيضاء

 

فيها ما لذ وطاب من طعام

 

وفواكه وحلويات وقناني حمراء

 

 

وأشوك وملاعق ذهبية

 

وكؤوس كرستالية

 

 

تذكر كيف كان يأكل

 

على أرصفة الحياة بملعقة خشبية

 

 

ويشرب من كأس معدني

 

أكل الصدأ جوانبه الخارجية

 

 

سرابيل كانت تنظر إليه بإعجاب

 

فهو وسيم ويملك جاذبية

 

 

وجسده يبدو قويا رغم حالته المأساوية

 

وعيناه جميلتين كستنائية

 

 

رغم اختلاف الطبقات بينها وبينه

 

إلا أنها شعرت بأنها أنثى

 

في حضرة شخصيته القوية

 

 

ورجولته التي بدت جلية

 

حين امسك يديها في تلك الليلة الانتحارية

 

 

 

وعلى حين غفلة من الحضور

 

 

غمزت له بعينها

 

تأمره بالخروج من القاعة الحمراء

 

التي ملئها السفور

 

 

و سفاسف الأمور

 

وأناس سكروا من النبيذ والخمور

 

 

 

 

 

 

 

وعلى سطح السفينة التي لا تغرق

 

 

اجتمعا سرابيل وذلك الشاب

 

الذي لا يصدق نفسه

 

 

بأن الأقدار رمت به

 

حيث لم يشعره يوما حدسه

 

 

ودون سابق أنذار

 

أو تراود أفكار

 

أو شرار تتبعها نار

 

 

ضمته إليها

 

وضمها إليه

 

 

وانسكب الرحيق من شفتيها إلى شفتيه

 

فسكرا دون خمرا !

 

فهي لم تلمس الخمر يوما

 

ولم تمسك القارورة يديه

 

 

وهكذا

 

سطرت أولى حروف الحب على شفتيه

 

 

لكنها

 

 

لكنها لم تخبره بأنها لن تكون له يوما

 

خدعته من أجل أن تعيش الحب

 

 

فهي لم تجده مع ذاك الرجل

 

الذي أجبرت عليه

 

 

سألها بعد أن أفاق من نشوة الغرام

 

وأفاقت هي من سكرة الهيام

 

 

:- ما أجمل هذه القلادة التي ترتدين

 

 

إجابته :- أنها قلادة قلب المحيط

 

ثمنها يقدر بالملايين

 

 

أجابها : أنت أجمل وأثمن منها لو تدركين

 

هي لا تهبك الجمال

 

بل أنت من جعلتها جميلة حيث تستكين

 

 

ثم سألها :-

 

من هذا الذي يرافقك دوما

 

حيث تروحين وتسرحين؟

 

زوجك ؟

 

 

أجابته بخوف : –

 

لا لا لست متزوجة من احد صدقني

 

أنه فقط حارسي الأمين

 

 

 

اطمئن لحبه

 

هكذا حاكت حوله مؤامرة ينأى لها الجبين

 

 

سألها :- ما اسمك ؟

 

 

أجابته : – سرابيل

 

 

سألته :- وأنت ما اسمك؟

 

 

أجابها :-

 

اسمي الملك لكن دون عرش اعتليه

 

أو شعب احكمه

 

هكذا عرفت نفسي دون سبب اذكره

 

 

 

 

 

 

وبينما هما بانسجام

 

كانت عين الرقيب تراقب الموقف

 

عن كثب وباهتمام

 

 

 

لينقل الخبر الصريح لزوجها الهمام

 

 

الذي طالما أراد سبب ليجردها

 

من قلادة قلب المحيط

 

وقد حصل الآن عليه

 

 

 

لكن عليه أولا

 

أن يتخلص من هذا الشاب

 

الذي أغرمت سرابيل به

 

انتقام منها ولتمت حسرة عليه

 

 

 

فترك الأمر دون أن يحرك ساكنا

 

وعقله لا يفتأ يفكر بحيلة

 

للتخلص من الاثنين

 

 

 

 

 

وحين عادت إلى مقصورتها

 

نزعت قلادة قلب المحيط من جيدها

 

ووضعتها في درجها

 

 

ثم خرجت من جديد لسطح السفينة

 

لتستعيد ذكرياتها

 

 

وحين عادت بعد ساعة

 

لم تجد قلب المحيط في درجها

 

فأبلغت زوجها وأمها وكل من حولها

 

 

لتصبح قضية سرقة

 

و يبحث عن الجميع عن من فعلها

 

 

قبل أن يقول احد أتباع زوجها

 

بأنه رأى شاب من الطبقة السفلية عند بابها

 

 

 

و وصفه وصفا دقيقا

 

فعرف الجميع بأنه ذاته ذاك الشاب

 

الذي كان في حفلة العشاء في المساء

 

 

 

 

 

فـتقـرر رفع الأمر إلى سلطات الأمن في السفينة

 

 

الذين باشروا بالتحقيق بالأمر

 

فأصدروا أوامرهم

 

بتفتيش مقصورة الملك

 

 

بناء على شهادة الخادم

 

الذي قال بأنه شاهده عند بابها

 

 

تفاجأ الملك بالأمر

 

حين وجد طاقم السفينة

 

يقتحمون مقصورته بقسوة

 

ويفتشون ملابسه وأدراجه

 

 

ليستخرجوا القلادة

 

من معطف معلق في دولابه

 

 

لتثبت السرقة عليه

 

فعشر القانون الحيازة

 

 

ولم يفد وقتها صراخه وإنكاره

 

بأنه لم يسرق يوما

 

حتى في أقسى لحظات حياته

 

 

فذهب صراخه أدراج الريح

 

وبقى في نظر الجميع لص القلادة

 

 

وتم سجنه حتى وصول السفينة

 

و سيتم بعدها تسليمه للعدالة

 

 

 

 

 

قبيل الفجر بساعات

 

دوت أولى الأنفجارات

 

حيث أن السفينة صدمت جبلا جليدي

 

 

وأعلن ربان السفينة

 

بأنها ستغرق في غضون ساعات

 

 

ليتسابق الجميع نحو قوارب النجاة

 

 

والملك في سجنه يسمع الاستغاثات

 

 

لم يكن همه الوحيد إلا سرابيل

 

وكيف لها أن تنجوا من الممات

 

 

فهرب من سجنه مع هذه الفوضى

 

التي اجتاحت الجميع دون استثناءات

 

 

ومضى يبحث عن سرابيل

 

بين الجموع الذين يطلقون النجدات

 

 

فوجدها أخيرا تصارع

 

لأجل أن يكون لها مكان في قوارب النجاة

 

 

لكن دون جدوى

 

فالجميع لا يفكر إلا بنفسه في تلك الأوقات

 

 

 

 

 

 

امسك بيديها وسحبها

 

قبل أن تسحقها أقدام الهاربين

 

 

ومضى بها إلى مكان يبدو له أمين

 

 

وعاهدها أن ينقذها

 

فهي حبه الذي يبحث عنه منذ سنين

 

 

 

فقال لها :-

 

أرجوك لا تصدقي ما قالوا عني

 

لست من السارقين

 

 

أجابته :-

 

اعرف

 

فهذا الأمر من تدبير زوجي اللعين

 

 

زوجك ؟؟؟؟؟

 

 

تفاجئ وكاد أن يخر صريعا

 

كيف صارت حبيبته من الكاذبين

 

 

اعتذرت حين رأت وجه يغشاه الموت المبين

 

 

قالت :- اغفر لي كذبي

 

فأنا لن أكون لك أبدا إلى يوم الدين

 

 

الآن وقد زرعتي الحب

 

في قلب هذا البائس المسكين ؟؟

 

 

من أجل متعة الحب لديك

 

اتخذته لعبة بها تلعبين ؟؟

 

 

 

 

 

انقسمت السفينة إلى نصفين

 

وغرق نصفها الأولى

 

و سيتبعها عما قريب نصفها الأخر في دقيقتين

 

 

أخذها الملك إلى مؤخرة السفينة

 

والأمل في النجاة يحدوهما هما الاثنين

 

 

ومع أخر لحظات الغرق

 

 

امسك بيديها وقال لها :-

 

نموت معا أو نحيا معا نحن الاثنين

 

 

تركا حاجز السفينة التي غاصت في المحيط

 

ماسكا يدها لا يتركها

 

وقدميه تعارك دوامة الموت حولها

 

والبرد كالسكين ينغرس في جسده وجسدها

 

 

 

 

 

قبل أن يتعلق بلوح خشبي ويدفعها فوفه

 

وهو متعلق به بأطراف يده

 

ونصفه السفلي يتجمد تحته

 

 

قال لها:-

 

اسحبـيـني معك

 

فأنا متعبا جدا لا أقوى على ذلك

 

 

قالت له :-

 

لا .. لن يحتمل اللوح ثقلي وثقلك

 

سأنجو بنفسي لا يهمني أمـــرك

 

 

غرست أظافرها بقوة على ظهر يده

 

لتترك اللوح ألما

 

و دمائه تختلط بالمحيط المتجمد حوله

 

 

قبل أن تغرس أظافرها بيده الأخرى

 

 

ليترك اللوح أخيرا

 

ويغوص ميتا في قاع المحيط المتجمد

 

 

معلنة نهاية أسطورة عشقه

 

الذي ظن بأنه لن يموت أبدا

 

 

مثلما ظن الجميع بأن التايتنك لا تغرق أبدا

 

 

 

 

 

 

 

 

لو كانتا روز و سرابيل تعرفان الحب حقاً

 

لما تركت روز يد جاك ليغرق

 

 

وما مزقت سرابيل بأظافرها

 

يد الملك ليلقى نفس المصير

 

 

 

الجميع بكى حين شاهد فيلم التايتنك

 

حينما غـيّب الموت جاك غرقا

 

 

لكنهم لم يتساءلوا للحظة

 

لماذا لم تنقذه روز يومها !؟

 

رغم أن كفه كان بكفها

 

 

ها أنا ذا أهديتكم الإجابة

 

على لسان سرابيـــل

 

دون أن يسألني أحد .

 

 

 

 

 

 

 

(( الملك ))